دكتور محمد عيسى قنديل
تعتبر طائفة البُهْرة إحدى الطوائف الإسماعلية، ويبدو أن هذه الطائفة نشأت في اليمن، في الربع الأخير من القرن الخامس الهجري/ نهاية القرن الحادي عشر الميلادي، إذ تنتمي إلى الخليفة الفاطمي أحمد بن معد بن علي بن الحاكم بأمر الله، وكان يلقب بالمستعلي، الذي حكم من سنة 487هـ/1094، إلى سنة 495هـ/1101، وكانت اليمن آنذاك يحكمها الصليحيون لصالح الفاطميين، فالبُهْرة يعتبرون أنفسهم إحدى الفرق التي تنتمي فكرياً للمستعلي الفاطمي وابنه الآمر ، وحفيده الطيب بن الآمر، ويطلق عليهم أحياناً ” طائفة الطيبية”، وهو الاسم الذي كانوا يسمون به في اليمن، قبل أن ينقسموا إلى فرقتين.
احترف أتباع هذه الطائفة تجارة التوابل والبهارات، التي كان مصدرها الهند واليمن وعُمَان، فأطلق عليهم أهل الهند لقب البُهْرة، وهو مصطلح كانوا يطلقونه على تجار البهارات، وقد عاش أتباع هذه الطائفة في اليمن أكثر من قرنين بعد ذلك، يمارسون شعائرهم وطقوسهم، ويعملون في تجارتها بين الهند واليمن، حتى مطالع القرن التاسع الهجري، وندر من كان فقيراً من أتباع هذه الطائفة ، فهم أهل جد وكد ونشاط وعمل، حتى قيل: إن البُهرة معناها: العمل، فالبُهرة هم العمال الجادون.
ويبدو أنه حصل صراع ديني بينهم، وبين فرقة اليزيدية الشيعية في اليمن، في مطالع القرن التاسع الهجري ، التي كان إمامها يومذاك الهادي اليزيدي، وكانت الكثرة الغالبة هناك زيديين، فآثرت قسم من “طائفة الطيبية” الهجرة إلى جنوب الهند، حيث كانت له علاقات جيدة مع أهل مدينتي: سورت وبومباى، فاستوطن هناك، وقد سُمِّي من هاجر إلى الهند ” البُهرة الداوودية“، نسبة إلى: قطب الدين شاه داوود، حيث وجدوا المعاملة الطيبة، فنمت الطائفة هناك وكثر عدد أتباعها، ثم انتشرت في باكستان وشرق إفريقيا بالإضافة إلى الهند. أما القسم الذي آثر البقاء في اليمن، فقد سمي ” البهرة السليمانية“، نسبة إلى الداعي سليمان بن الحسن المتوفى سنة 1050هـ/1640 .
وقد انصرف أتباع هذه الطائفة عن أهواء السياسة، وانصرفوا للتجارة، وابتنوا المساجد التي ينفقون عليه بسخاء وبذخ، وليس أدل على ذلك من الأموال التي أنفقوها على ترميم قبة الإمام الحسين بن على في مصر.
وقد عملوا إلى جانب التجارة في الدعوة إلى الإسلام، وكانوا سبباً في دخول أعداد غفيرة من الهنود الهندوس في الإسلام، ولا سيما في بومباي وما حولها، وتقوم عقيدتهم على أن الإمامة لا تصح إلا في نسل إسماعيل، وأن الإمام المهدي من ولد إسماعيل الذي اختفى، سوف يرجع ويملأ الدنيا عدلا، ولذا فهم يؤمنون بأن زعيمهم وسلطانهم الذي يحكمهم، إنما هو نائب للإمام المهدي إلى أن يعود، ويطلق عليهم المؤرخون تسمية: ” إسماعيلية الهند “.
ويقدر المؤرخ اليمني المعاصر محمد الأكوع عددهم اليوم بمليون ونصف شخص( كشف أسرار الباطنية و|أخبار القرامطة، ص: 23) ، وتعتبر مدينتا سوارت وبومباى مقرهم الرئيسي، وقد زار الأكوع بنفسه شيخ هذه الطائفة في بومباى.