(غانم بن علي المقدسي)
من تاريخ الغوانم المقدسيين
هو شيخ الاسلام القدوة المحقق الحجة الملك القطب الرباني والفرد الصمداني العلامة الأوحد و الفهامة الأمجد البدر الأمير غانم بن علي بن ابراهيم بن عساكر بن الحسين…………بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة سيد الخزرج و أمير المدينة المنورة. فهو غانم بن علي بن ابراهيم بن عساكر بن الحسين المقدسي الحنفي السعدي العبادي الخزرجي الانصاري.
قدم أبوه الشيخ علي من المغرب من منطقة غمارة الواقعة بين مدينتي طنجة و تطوان الساحليتين قاصدا الديار الحجازية لأداء فريضة الحج ثم ارتحل مع رفاقه المغاربة الى فلسطين عام 558هـ، وأقام في بورين.
ولد القدوة المحقق غانمي في بورين من عمل نابلس عام 562ه.
كبر و تتلمذ و تأدب علي أيدي شيوخ الشام و مصر.
وعندما أصبح في العشرين من عمره التحق بصفوف المجاهدين ضد الاحتلال الصليبي, فوقع بالأسر عام 583ه, فأنقذه السلطان الناصر صلاح الدنيا و الدين من أيدي الصليبين.
شارك في تحرير بيت المقدس, و ولاه السلطان صلاح الدين مشيخة الحرم القدسي الشريف و الخانقاه الصلاحية لما رأه فيه من علم و فقه و ورع, و كان أول من ولي مشيخة الحرم القدسي و الخانقاه الصلاحية بعد تحرير بيت المقدس.
و كان من اعيان الاعيان و من وجهاء بيت المقدس المقدرين أصحاب الكلمة والرأي فيها, سكن بالقرب من باب الوليد و هو أحد أبواب الحرم القدسي الشريف و الذي يعرف الأن بباب الغوانمة نسبة للقدوة غانم بن علي و نسله من بعده( و عرفت تلك المنطقة بعد ذلك بحارة الغوانمة كما و بني فيما بعد مئذنة وجامع باسم بني غانم الغوانمة هناك). و من ثم وهبه السلطان صلاح الدين قرية بورين كلها و أتبع له معظم الأراضي بين القدس ونابلس.
تزوج القدوة غانم بن علي من احدى بنات امراء أشراف الشام, و أنجب منها أولاد كثر, فكان أولاده و أحفاده وسلالته من بعده من أعظم علماء وفقهاء المسلمين, فمنهم شيوخ الاسلام وشيوخ الحرم القدسي الشريف وقضاة بيت المقدس و معظم شيوخ الخانقاه الصلاحية و امراء و وزراء في بيت المقدس, حيث قال فيهم الشيخ مجير الدين العليمي الحنبلي:
كان شيوخ بني غانم من أعظم شيوخ المسلمين وأجلهم وأكثرهم فقها وورعا, و كانوا من أعيان بيت المقدس المقدرين المحترمين ومن أصحاب الكلمة والمشيخة فيها. وقال فيهم الشيخ العلامة خير الدين الرملي: ما أنجبت بطون العرب كبني غانم, و ما خرج من أفواه العرب وعقولهم كما خرج من شيوخهم و فقهائهم.
و من شيوخ بني غانم: البرهان الحجة ابراهيم بن غانم، و شيخ الاسلام ابن بنانة الغانمي، و الشيخ الناسك الزاهد عبد الله بن غانم ، والعلامة علاء الدين بن غانم، و شيخ الشيوخ علي بن غانم، و قاضي القضاة ابو الروح الغانمي، و الشيخ الواعظ المحدث عبد السلام الغانمي، و الشيخ الزاهد شمس الدين محمد بن احمد بن حبيب الغانمي المقدسي.
وقبل وفاته ببضع سنوات شد الرحال الى دمشق ليجالس فقهائها و يتبادل العلوم مع علمائها و لينشر فقهه الجليل, و بعد مكوثه بفترة بسيطة اشترى غلامين من سوق الرقيق في دمشق, كان اسمهما محمود و جهاد, لم يكــن يعرف أن العبد محمود الخوارزمي هو بطل المسلمين المنتظر ليحررهم من التتار.
عمل على تربيتهما و تأديبهما، وكان لذلك أثرا خاصا في حياة القائد المسلم محمود, و أحبهما حبا جما, حتى بلغ به الأمر أن أوصى لهما ببيت في دمشق, و من ثم مات بعدها بسنين قليلة في دمشق و دفن فيها تاركا قطز ملك مصر المنتظر في التاسعة عشرة من عمره. أما أعقابه و سلالته في بيت المقدس الأن هم:
عائلة آل الغوانمة(بني غانم)، وعائلة آل السروري(بني سروري بن غانم).
وقد انتشرت سلالته الكريمة في مدن فلسطين و دول العالم العربي الاسلامي.
ولكن هناك تيار من العلماء والأساتذة وعلى رأسهم الدكتور عبد الهادي التازي و الدكتور زيدان الحسن يؤكد أن شيخ الاسلام غانم بن علي يعود نسبه و أصله الى رسول الله صلى الله عليه و سلم.
والدكتور عبد الهادي التازي و الدكتور زيدان الحسن هما من كبار أساتذة التاريخ العربي الاسلامي بالمملكة المغربية, ومن أدلتهم على أن أصل ونسب شيخ الاسلام غانم بن علي يعود الى رسول الله صلى الله عليه وسلم انه تم ذكر الشيخ غانم بن علي في كتب عربية قديمة ملقبا بلقب الشريف, والشريف لقب كان يطلق على من هم من نسل رسول الله صلى الله عليه و سلم أو من نسل آل بيته الشريف الطاهر, وأنه تم ذكر نقباء أشراف في القدس الشريف والقاهرة ودمشق باسم ابن غانم المقدسي والغانمي المقدسي في اكثر من مرجع في المملكة المغربية.
و يذكر الدكتور عبد الهادي التازي في كتابه “الاصول التاريخية للأشراف في المشرق” أن اسم شيخ الاسلام غانم الكامل هو:
شيخ الاسلام و حجة الزمان العارف بالله و الولي الصالح الشريف غانم بن نور الدين علي بن الامام الأوحد أبو العباس احمد الغماري(نسبة لمنطقة غمارة) بن مولانا القطب الزاهد و الشيخ العابد أبو محمد عبد السلام بن مشيش بن أبي بكر منصور بن علي بن حرمله بن عيسى بن سلام بن مروان بن علي حيدرة بن محمد الشكور بن ادريس الأصغر بن مولانا ادريس الأكبر بن عبد الله الكامل بن مولانا الحسن المثنى بن مولانا الحسن السبط بن سيدنا الامام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه زوج سيدتنا فاطمة الزهراء ابنة سيد الانام و مبعوث السلام نبينا المصطفى المختار محمد صلى الله عليه و سلم.
وتحدث الدكتور عبد الهادي التازي عن آل الغوانمة قائلا:
“ان بني غانم بن علي الذين عرفوا فيما بعد بآل الغوانمة في بيت المقدس هم من الساده الادارسة الاشراف الشفشاونين الذين ينتسبون الى جدهم الشريف غانم بن علي بن ابو العباس أحمد الغماري بن المولى القطب الزاهد و الشيخ العابد و العلامة الماجد أبو محمد عبد السلام بن مشيش.
وقد عرف آل الغوانمة قديما ببني غانم و ذلك لانتسابهم الى جدهم الأول القطب الرباني و الفرد الصمداني غانم بن علي قدس الله سره ثم عرفوا بعد ذلك بأل الغوانمة بسبب تكاثرهم و انتشارهم في البلاد”.
كما ويقول الدكتور المغربي زيدان الحسن في كتابه “أشراف الشام”:
” ان آل الغوانمة في فلسطين الذين يعودون بنسبهم الى الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه زوج فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم تولوا أرفع المناصب و المراتب مثل مشيخة الخانقاه الصلاحية و مشيخة الحرم القدسي الشريف و قاضي قضاة بيت المقدس و مفتي بيت المقدس و نقيب الاشراف في القدس الشريف”. ويضيف الدكتور زيدان الحسن:
“قدم الشيخ الامام غانم بن علي من المغرب من منطقة غمارة الواقعة بين مدينتي طنجة و تطوان الساحليتين قاصدا الديار الحجازية لأداء فريضة الحج, ثم ارتحل مع أصحابه المغاربة الى بيت المقدس لزيارة المسجد الأقصى المبارك بعد تحريره من الصليبين في أواخر القرن السادس الهجري وأقام عند باب الوليد و الذي يعرف الأن بباب الغوانمة, حيث بني جامع داخل أسوار المسجد الأقصى المبارك عرف فيما بعد بجامع الغوانمة, كما وشيدت مئذنة الغوانمة هناك التي تقوم في الركن الشمالي الغربي للحرم القدسي الشريف بجانب باب الغوانمة, و قد سميت بمئذنة الغوانمة نسبة لبني غانم آل الغوانمة و تكريما لذكرى القطب الرباني و الفهامة الاسلامي و شيخ المذاهب غانم بن علي قدس الله سره و سلالته الشريفة من بعده”.
و أخيرا و ليس اخرا فان شيخ الاسلام غانم بن علي ذكر في عدة كتب مقدسية قديمة مثل كتاب الانس الجليل باسم غانم بن علي الخزرجي الانصاري, بينما يؤكد الدكتور عبد الهادي التازي و الدكتور زيدان الحسن أن شيخ الاسلام غانم بن علي ذكر في كتب و مراجع موجودة في المملكة المغربية باسم الشريف غانم بن علي بن احمد الغماري, و قد نقلوا ذلك في كتبهم.
عاش بني غانم آل الغوانمة في بيت المقدس على مر العصور العباسية و الأيوبية و المملوكية و العثمانية حياة كريمة عزيزية, تولوا فيها أرفع المناصب و أعلاها على الاطلاق, و كانوا من أعيان أعيان بيت المقدس المقدرين و من أولياء الأولياء الصالحين و من أصحاب الكلمة و المشيخة فيها كما ذكر مجير الدين العليمي الحنبلي في كتابه الانس الجليل.
و في أوائل القرن الحادي عشر الهجري ولد الشيخ العلامة حافظ الدين بن محمد الغانمي المقدسي و الذي عرف بالسروري, و عرف نسله من بعده بعائلة السروري المقدسي, و هنا تفرعت من عائلة الغوانمة عائلة جديدة ألا و هي عائلة السروري المقدسي.
و في أواسط القرن الحادي عشر الهجري عين أحد أبناء آل الغوانمة مسؤولا لجباية الضرائب في سنجق القدس و ضواحيها و من ثم رفع الى خازندار القدس الشريف, و هو الأمير عبد الدايم بن الأمير أحمد بن قاضي القضاة و حجة الزمان العلامة الفهامة الأمجد نور الدين الحنفي علي بن مفتي القدس شمس الدين محمد الغانمي و قد عرف الأمير عبد الدايم فيما بعد بالأمين الغانمي, و ذلك قبل فترة قصيرة من تعين محمد بن مصطفى الحسيني نقيبا للأشراف في سنجق القدس.
و في أواخر القرن الحادي عشر الهجري اندلعت انتفاضة كان على رأسها “نقيب الاشراف محمد بن مصطفى الحسيني” استمرت سنتين, وكانت بسبب سياسة التسلط والانتهازية في فرض الضرائب الباهظة على السكان والفلاحين ، حيث حمل الأهالي السلاح وهاجموا القلعة وأطلقوا سراح المساجين ، وبعد ذلك أرسل الوالي حوالي 2000 من الانكشارية والجنود إلى القدس، وتمكنوا من احتلال المدينة وتم اعتقال “النقيب “، وأرسل إلى استنبول ونفذ فيه حكم الإعدام, و اتهم الأميرعبد الدايم بالتعامل مع معارضي الدولة العثمانية الناشطين في الانتفاضة المذكورة, وخاصة انه كان على علاقة قوية بنقيب الأشراف الحسيني, فاعتقل واعدم بقطع رأسه بالساحة المجاورة لباب الخليل في القدس الشريف, فأقام أهله ورفاقه له مقامين أحدهما لرأسه، و الاخر لجسده الطاهر في المكان الذي اعدم فيه, و لا يزال المقامان يشاهدان عند باب الخليل تحت شجرة تين كبيرة.
و بعدها صدر ما يعرف بالفرمان من الباب العالي باجلاء أكثر من عائلة مقدسية و مصادرة املاكهم في القدس الشريف، ممن شاركوا بالانتفاضة ضد أمير سنجق القدس, و من هذه العائلات آل الغوانمة، و لم يبقى ف القدس الشريف من بني غانم بن علي الا بني سروري بن غانم، و هو حافظ الدين بن محمد المقدسي المعروف بالسرورى من ولد غانم, المعروفين بعائلة السروري المقدسي آنذاك، و حتى يومنا هذا.
ومن أملاك واوقاف آل الغوانمة التي صودرت لمصلحة الدولة العثمانية في سنجق القدس الشريف, بيوت في حارة الغوانمة و بيوت في حارة المغاربة وبيوت بالقرب من حارة النصارى وأرض البقعة و أرضي في جبل الزيتون واراضي 0.شاسعة بين القدس و نابلس. فخرج آل الغوانمة من القدس الشريف, فتفرقوا و انتشروا في أرجاء فلسطين جنوبا و شمالا في مدنها و قراها, فمنهم من انتقل للعيش في نابلس و طول كرم و رام-الله و غزة و الساحل الفلسطيني.
وكان أل الغوانمة يستقبلون بحفاوة و اكرام لنسبهم الشريف و سيرتهم العطرة و سمعتهم الزكية و علمهم الجليل في كل مدينة أو قرية ينزلون فيها.
و ترك بني غانم آل الغوانمة بصمات واضحة في المدن و القرى التي نزلوا فيها من نشر لعلوم الدين و الفقه و الحديث واقامة الجوامع و الكتاتيب و المقامات.
و أول من عاد الى القدس الشريف من آل الغوانمة بني غانم بعد خروجهم منها هو الامام الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن حبيب الغانمي المقدسي, وذلك عند وقوع القدس تحت حكم ابراهيم باشا بن محمد علي باشا, والذي عينه ابراهيم باشا شيخا في الحرم القدسي الشريف وخازن لمكتبة المسجد الأقصى ومعلما في المدرسة التنكزية. والله اعلم.