جاء البحث في الأصل تلبية للحصول على درجة الماجستير في الأدب العربي، ولكن تم فيما بعد تطويره وتنقيحه، وهو في ثلاثة أبواب وخاتمة وملحق، على النحو التالي:
تناولت في الباب الأول بيئة أديبتنا العامة والخاصة، فدرست في الفصل الأول البيئة العامة، وبينت حالة العصر السياسية، ودرست أسباب تدهور الحالة الاقتصادية، من خلال الأبحاث واليوميات التي دونها أهل ذلك العصر، فاتضح لي سوء الوضع الاقتصادي في الدولة المملوكية الثانية. ثم تحدثت عن الحالة الاجتماعية، ولم أنس أن أركز على حالة المرأة في هذا العصر، ورميت من وراء ذلك إلى إثبات أن المرأة المثقفة لم توجد إلا في طبقات المجتمع الغنية، التي أوتيت بسطة في الرزق والجاه والنفوذ. ومن ثمَّ رصدت مكونات الحياة الثقافية يومذاك، فبينت طريقة تلقي العلم، والمراحل التي يمر فيها الطالب حتى يحصل على “الإجازة”، التي تفتح له أبواب العمل، وبينت كيف أن الثقافة الدينية قد أرخت بظلالها على كل أنواع الثقافات الأخرى. ثم درست حالة الأدب بشقيه: النثر والشعر، وبينت المسار الذي فيه كل منهما، والأنواع الجديدة التي استحدثت منذ مطلع القرن السابع الهجري/الرابع عشر الميلادي، وكانت خلاصة هذا الفصل التي توصلت إليها أن الأديب ثمرة من ثمرات عصره، عمل على إنضاجها الزمان والمكان والحال السياسية والاقتصادية، وأن تحليل هذه الأوضاع يساعد على فهم طبيعة أديب هذا العصر، ورسم مسارات الثقافة والأدب فيه.
وتحدثت في الفصل الثاني من الباب الأول عن البيئة الخاصة لأديبتنا، وقسمته إلى شقين: تحدثت في الأول منهما عن الأسرة الباعونية بشكل تفصيلي، موطنها، ومكانتها، وأفرادها، مستعيناً بكل ما كتب عنها قديماً وحديثاً، وتحدثت في الفصل الثاني عن الباعونية نفسها: ولادتها، نشأتها، تعليمها، زواجها، رحلاتها وأسفارها، ثقافتها، تصوفها، مكانتها بين أعلام عصرها، مؤلفاتها، ووفاتها. وهدفت من وراء هذا الفصل إلى تبيان الأثر البالغ الذي تركته أسرتها فيها، فبين أحضانها تهيأت نفسها، وتفتحت عيناها، وكانت مفاهيمها الأولى عن الحياة والناس ثمرة من ثمار هذه الأسرة.
وتناولت في الباب الثاني أدب الباعونية، وخصصت الفصل الأول لشعرها، حيث درست أغراضه، وأساليبه تبعاً لهذه الأغراض، ووجدت أن شعرها قد توزعته الأغراض الآتية: المديح النبوي، والتصوف والبديعيات، والأغراض التقليدية من مدح وحنين ووصف وغيرها، وفي موضوع شعرها الصوفي حاولت التعرف إلى مذهبها الصوفي. أما الفصل الثاني من هذا الباب فقد جعلته خاصاُ بنثرها، حيث وجدت أن ما وصلنا منه يقع في موضوع المديح النبوي، مما يجعل الحكم على أسلوبها النثري أمراً بالغ الصعوبة، وحاولت التعرف إلى أسباب ذلك، فهداني البحث إلى هذه المغالاة، التي ورثتها شاعرتنا عن شيخها شهاب الدين أحمد القسطلاني في حب الرسول الكريم، ومع ذلك فقد حاولت جاهداً تشخيص أسلوبها النثري، الذي كان للإسلام وقيمه الأثر العميق فيه.
وكان الباب الثالث دراسة تقييمية لأدبها ومكانته في عصرها، ولم يكن أمامي إلا أن أنفذ إلى هذا التقييم من خلال عملية مقارنة بين كل من فنونها الشعرية، والفن نفسه عند شعراء سبقوها ونالوا شهرة في عصرهم، ثم بين فن ما عندها والفن نفسه عند غيرها من أهل الشعر في عصرها. وهكذا مال البحث بي في الباب الثاني والثالث إلى المنهج التطبيقي في دراسة الأدب، الذي يتم فيه استقراء النصوص، والتعرض للنماذج المختلفة، ومن ثم يتم التوصل إلى النتائج، وليس لي في هذا المجال أن أحكم على مدى الموضوعية التي سلكتها في سبيل ذلك، فذلك من حقِّ غيري.
وقد أتبعت البحث بملحق، اشتمل على نماذج من شعرها، هادفاً من وراء ذلك إلى إعطاء الباعونية بعض حقها في نشر نتاجها، وإلى وضع البحث تحت أعين الدارسين والباحثين، ليقرروا فيما إذا استطاع أن يؤدي إلى النتيجة المرجوة منه، مؤكداً على أن كلَّ ما احتواه هذا الملحق لم ينشر من قبل.