لقد اقتضت خطة البحث أن تكون هذه الدراسة في قسمين: يمثل القسم الأول الدراسة الأكاديمية الأصيلة لنيل درجة دكتوراه (الدولة) في الآداب، ويكون بعنوان “الشريف الجرجاني وجهوده البلاغية”، ويمثل القسم الثاني تحقيق القسم الخاص بعلمي البيان والبديع في كتاب الشريف الجرجاني “شرح القسم الثالث من مفتاح العلوم للسكاكي”.
وجاءت الدراسة في قسمين: الأول خاص بالدراسة، حيث اشتمل على نقد للمصادر والمراجع، وثلاثة أبواب، وخاتمة، ومجموعة من الفهارس، عرضنا في نقدنا للمصادر والمراجع أهمية المصدر أو المرجع فنية كانت أو تاريخية، وأوضحنا مدى فائدته للدراسة، وتلك خصيصة من خصائص المنهج الغربي في الدراسات العليا، تركز عليها مناهج البحث الفرنسية أكثر من غيرها، اعترافاً بقيمة هذه المصادر والمراجع للدراسات المعاصرة، وتشهد بالفضل لأصحابها، وتؤرخ لجهدهم وعطائهم الفكري
وجاء الباب الأول في ثلاثة فصول خاصة بالبحث في أهم مظاهر حياة السيد الشريف الجرجاني، وسيرته الثقافية، وإنتاجه العلمي عموماً، وقد بينا في هذا الباب مفاتيح شخصيته، التي يمكن للدارس أن يدخل من خلالها إلى فهم هذه الشخصية، ودراسة فكره البلاغي، ومكانته بين أقرانه من دارسي البلاغة وباحثيها، في تراثنا الحضاري والثقافي، فكان طبيعياً أن نتناولها في هذا الباب قبل غيرها من مواضيع الدراسة، إذ اعتبرنا أن هذه المواضيع نتيجة من نتائجها، ومرتكزاً درسياً قامت عليها، واعتمدت على مضامينها، كما اعتبرنا مواضيع الباب الأول أجزاء لا بد لقارئ الدراسة ودارسها أن يلتقطها، قبل أن يوغل في الدراسة ومضامينها، لتكوِّن لدية صورة أقرب إلى الوضوح والشفافية، تمكنه من استيعاب مواضيع الباب الثاني.
أما الباب الثاني فقد جار في ثلاثة فصول، شكَّلت الدراسة الفنية، حيث تناولنا فيها مواضيع تتصل بالجانب الفني في فكر الشريف البلاغي، وجاء الفصل الأول إيضاحاً للمسار الذي قطعته البلاغة العربية منذ نشأة التأليف فيها وإلى عصر الجرجاني، وتحدثنا عن الواقع الذي كانت تعيشه الدراسات البلاغية آنذاك، ذلك أننا نعتقد أنه لا يمكن لباحث أن يتبين إسهامات الجرجاني وجهوده البلاغية، دون أن يكون على بينة من أمر البلاغة في الماضي، ومن ثم واقعها في عصره، ليتمكن بعد ذلك من معرفة أمرين: الأول: عقد موازنة واعية بين ماضي البلاغة العربية وحاضرها في عصر الشراح الذي عاش فيه صاحبنا، أسلوباً وتأليفاً وتناولاً. والثاني: تقدير الجهود والإسهامات البلاغية التي قدَّمها الشريف الجرجاني نفسه، والإضافات التي جاءت على يديه للدرس البلاغي، إن كانت له إضافات، ومن ثمَّ وضعه في المكانة التي يستحقها بين دارسي عصره في علوم البلاغة.
وكان الفصل الثاني خاصاً بجهوده البلاغية من خلال مؤلفاته التي وصلتنا، والتي أثبتت أنه كان أكثر تفاعلاً مع النص البلاغي عند السكاكي في علم البيان منه في علمي المعاني والبديع، حيث لم تزد جهوده فيهما عن العرض والبسط والتقديم، كما وتناولنا معاركه ومناظراته البلاغية التي طارت أخبارها في الخافقين، خاصة تلك التي دارت حول الاستعارة التبعية. وكان الفصل الثالث خاصاً بالحديث عن منهج الشريف الجرجاني البلاغي، فتحدثنا عن خصائصه ومميزاته، وفصلنا الحديث قدر الإمكان عن مصادره وأصوله، التي كانت عماد مادته البحثية وشروحاته وتعليقاته، وقد أظهر هذا التفصيل مدى العلاقة الوثيقة التي كانت تربط الشريف الجرجاني بهذه الأصول، وبرزت هذه العلاقة بوضوح من خلال معالجته للشواهد الشعرية والآيات القرآنية التي تعرض لها، إذ أوضح فيها كثيراً من آرائه وأفكاره.
أما الباب الثالث فكان كلمة حق قلناها في مكانته البلاغية، حيث كانت مسوَّغة، توافدت أطرافها، وتضامت ملامحها في ضميرنا، وفكرة من خلال معايشتنا لمراحل حياته الثقافية والفكرية، ودرْسنا لآرائه البلاغية، ومعالجتنا لطرائقه الأسلوبية في الدرس والتأليف، وعندما اختتمنا النظر في فكر الرجل البلاغي، تركنا للمنهج العلمي القول الفصل في هذه المكانة، ولم يمنعنا إعجابنا بشخصيته العلمية والمنطقية، وشهرته التي طبقت الآفاق من إثبات ما توصل إليه هذا المنهج، إن تقرير النتيجة الرئيسة التي توصل إليها البحث، كان نتيجة من نتائج غياب عاطفتنا، وتعطل هوانا، وتحكيم المنهج العلمي السليم في البحث والنظر والموازنة.
ثم جاء القسم الثاني خاصا بتحقيق الجزء الخاص بالبيان والبديع في كتاب السيد “شرح القسم الثالث من مفتاح العلوم للسكاكي“، حيث قدمنا بين يديه بمقدمة، تحدثنا فيها عن الكتاب، الذي تناولنا قسم البيان والبديع فيه بالتحقيق، فناقشنا اسمه، وعرضنا أقوال القدماء في هذا الاسم، ثم وصفنا نسخ الكتاب الخطية التي تمكنا من الحصول عليها، فبينا مميزات كل نسخة، وأظهرنا خصائصها وقيمتها بالنسبة لعملية التحقيق، ووصفنا المنهج الذي اتبعناه ورضيناه لأنفسنا، وسوَّغنا اتباعه ورضاءنا عنه